هل الجمهورية حكمة العصر في تحقيق العدالة؟

د. وسن مرشد محمود /جامعة تكنلوجيا المعلومات والاتصالات.

قد يبدو العنوان مثيراً للغرابة ؛ كونه يجمع بين السؤال الباحث عن اجابة ، وبين الأجابة الحاضرة الباحثة عن تفصيل .
فالأول (الجمهورية) اجابة للثاني العدالة ، وحتى لانبقى في سلسلة السؤال والجواب، سيشرع مقالنا إلى الخوض المباشر بالتفصيل ..
تعد الجمهورية من اكثر المصطلحات شيوعاً في عصرنا الراهن ، وهي عبارة عن نظام حكم لأختيار رئيس جمهورية من قبل الشعب بطريقة مباشرة ، والأفضل علنية بعيدة عن المخاتلة ، والمراوغة، والملاعبة ، وهذا ما لايتوفر تحقيقه في الكرة الأرضية برمتها.
ومقالنا لايبحث عن هذه الدلالة ،أنما يشرع حروفه لتوظيفها بإزاء كتاب (جمهورية افلاطون) ، الذي يعد من الدرر الثمينة التي لابد من قرأتها واكتناز معلوماتها القيمة ، والسعي ولو لتحقيق جزء بسيط منها في واقعنا المعاش.
تنطلق ترجمة الكتاب بحوار فلسفي يجمع فيه السياسة بعمق كبير يجهد فيه افلاطون ذاته لتحقيق العدالة .
ويستهله بوضع نموذج كتابي يسعى فيه لتثبيت قاعدة متينة لمثال المدينة الفاضلة السقراطية.
الحوارية دارت بين الطالب (افلاطون) واستاذه (سقراط) بالأساس، وبين شخصيات متنوعة من فئات المجتمع، وطباقته المختلفة.
ويسعى لرسم صورة عدالة بين هذه الطباقات المختلفة عن طريق التوازن بين (القوة العاقلة، والقوة الشهوانية، والقوة الغضبية).
ومقابل هذه الثلاثية نجده يسعى إلى تقديم صورة تعريفية للحكام بطريقة المقابلة (حاكم عادل يقابله حاكم مستبد)، فضلاً عن تقسيمه الحكومات إلى اربعة اقسام هي:
الأرستقراطية
الأوليغاركية
الديمقراطية
الاستبدادية
وبإزاء هذه التقسيمات الرباعية ، يحدد اتجاه ميوله نحو الملكية الدستورية ، وبالمقابل يقدم اعترافه إلى أن العدالة المطلقة الحقيقية تبقى مرحلة عصيبة وتحمل من البعد الشيء الكبير في امكانية تحقيقها بصورتها الحقيقية.
جاءت حوارية الكتاب بطريقة عفوية وتجمع معها التهكم ، وبطريقة السؤال والجواب وهي طريقة محاورته مع استاذه سقراط،بمنهج سقراطي متكامل ، ودارت اسألتهم عن المفاهيم كالفضيلة ، العدالة ، الحق بطريقة سردية سهلة وسلسة ، ومفهومة لعامة الشعب تقريباً؛ كونها ابتعدت عن جفاوة البلاغة وتعقيدها، على الرغم من النفس الفلسفي الذي يسيطر على حروف الكلمات ، التي قد تحتاج بعضها إلى فك رموزها ، وهذه الطريقة التي اتبعت في طبعات الكتاب الآخيرة ، إذ تضمن ترجمات لبعضها في الهامش .
وقسمت فصوله إلى تقسيمات عدّة من اهمها العدالة التي تصدرت الفصل الأول وهي الفضيلة لديه، ونجده يلزم وجوب العدالة في كل شيء ، ولايخرج شخص من هذه الثيمة التي تفتقد حضورها الطوعي ، والفعلي منذ خلق الخليقة وإلى يومنا الراهن.
وصنف الطبقة الفضيلة تحت فلاسفة الحكام والحكمة ،والجنود وخصهم بالشجعان، والحرفين بتصنيفهم بالعفة والنزاة ، واكد إلزامية كل طبقة بفضيلتها وقواعدها المرتسمة ، وأن لاتتعدى على الطبقات الآخرى .
ومما يؤخذ على مدينة افلاطون وحكمه العظيمة هو عدم اعطاء النساء الحقوق الكاملة والمشروعة ، إذ الزم الفلاسفة والحكام بالتزام العفة ، وعدم الزواج بغية التفرغ التام لإدارة الدولة ، وترجيح بقاء العقل بأهتمام انصبابه إلى امور الدولة فقط، وهذا المنع من الزواج يعطي للفلاسفة على وفق وصفه الترفع عن اللذات ، والشهوات ، وثباتية العقل وإرتكازه ببديهية عالية ، وسريعة ، مع ضبط للنفس المتزن ، والانصباب إلى العمل فقط من دون التمسك بالماديات ، ومثالية الواقع المزيف .
وهذا التفصيل جعله يضع الحكم الأرستقراطي هو الحكم المثيل والأنسب للدولة والمثل العليا لها، على العكس من الحكم الأوليغارشية الذي يعد في المرتبة الدنيا لديه؛ لأنه حكم لايخضع للفلاسفة ، أو الفئة الحكيمة ، ومن ثم رفض فكرة المساواة في الحكم الديمقراطي؛ لأنه يسبب الضياع للحكم وللدولة برمتها، وحكم الطغاة ؛ لأنه يفتقد افتقاد تام للحكمة والعدالة …وهذا ماسعى افلاطون إلى رفضه بالكامل وعمد إلى توضيح الفرق بين الصنعة أو التقليد او الاصل ، وهذا ما يفسر استنباطه لنظرية الشعر ؛ لأنها محاكاة للطبيعة والواقع في الوقت ذاته، ولا تنحصر في زاوية المُثل فقط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *