المؤرخ العراقي ( الكردي ) الأستاذ الدكتور عمر ميران*
يقول : أنا اعلم علم اليقين بأن الكثير سيتهمني بشتى أنواع التهم الجاهزة التي أصبحت من سمات هذا الزمن المريض, ولكني لا أخشى في قول كلمة الحق لومه لائم ولا غضبة جاهل وحقود.
أجد نفسي مضطراً لأدلو بدلوي في هذه الفترة المظلمة من تاريخ وطننا وبلدنا الحبيب العراق. فأنا كنت قد منعت نفسي من الانجرار وراء ما يحدث في بلدنا ولكني أجد نفسي هنا وأنا في الثمانينات من عمري وكما قلت مضطراً بل ومن واجبي هنا أن أقول ولو جزءاً بسيطاً مما أؤمن به وأعتقده صوابا.
هنا سأقوم بطرح مبسط ليتمكن الجميع من استيعابه.
في البداية أحب أن أقول لكل العراقيين, أن هؤلاء الذين يسمون أنفسهم قادة للشعب الكردي إنما هم يمثلون أنفسهم وأتباعهم فقط وهم قلة في المجتمع الكردي ولا يمكن القياس عليهم ولكنهم وللأسف أقول, يستغلون نقطة الضعف في شعبنا ويلعبون على وتر حساس ليجنوا من وراء ذلك أرباحاً سياسية خاصة تنفيذاً لرغبة أسيادهم الأمريكان.
إن الشعب الكردي كله شعب بسيط وبدائي في كل ما في الكلمة من معنى حقيقي. وهذا ينطبق على أخلاقه وتعاملاته وتراثه وتاريخه وثقافته وما إلى آخره. فلو أخذنا نظرة عامة ولكن ثاقبة لتاريخ الشعب الكردي لوجدنا أنه تاريخ بسيط وسهل ولو أردنا أن نعمل عنه بحثاً تاريخياً علمياً لما تطلب ذلك أكثر من بضع صفحات. هذا ليس عيباً أو انتقاصاً من شعبنا الكردي ولكنه حال كل الشعوب البسيطة في منطقتنا المعروفة حالياً بالشرق الأوسط.
على العكس من ذلك ما يمكن أن يقال بحق الشعوب المتحضرة والمؤثرة ببقية العالم المحيط بها والقوميات الأخرى والمجاورة لشعبنا كالفرس والعرب والأتراك وإذ ابتعدنا قليلا كأهل الهند و الصين. المقصود هنا هو أن شعبنا الكردي لم يكن له تأثير مباشر أو غير مباشر في أو على الأقوام المجاورة له, ولا على الشعوب والأمم الأخرى في العالم, وهذه هي الصفة الأساسية الأولى للشعوب البسيطة والمنعزلة عن محيطها الخارجي المجاور.
هذا بحكم الطبيعة الجغرافيه الصعبه التي يتواجد فيها الكرد. علماً أن هذه الطبيعة الجغرافية الصعبة والحصينة كانت ستكون أول الخطوط الدفاعية عن الحضارة لو كانت هناك بقايا أو معالم حضارية كالعمارة أو الثقافة أو التراث الشعبي. وليس هذا فحسب وإنما والحقيقة العلمية يجب أن تقال، فليس لدى الشعب الكردي ما يقدمه للشعوب المجاوره. علماً أن معالم الحضارة الآشورية (الموجودة في نفس المنطقة) ماتزال قائمة هناك وقد حمتها الطبيعة من الزوال بحكم عدة أسباب من أهمها البعد والوعورة وصعوبة الوصول إليها من قبل الغزاة وعلى مر العصور إضافة إلى أن المادة الأولية المعمولة منها هي الأحجار وليس الطين كما في بعض الحضارات القديمة. فلم يصل إلى علمنا وجود أي معلم من المعالم الحضارية للشعب الكردي (أنا أتكلم هنا إلى ما قبل وصول الإسلام إلى المنطقة).
إن البعض يحاول أن يقنع نفسه بحضارة كردية وهمية كانت في زمن من الأزمان وأقصد هنا الدولة الأيوبية. وهنا أقول أنها لم تكن كردية ولكنها إسلامية ولكن قادتها ومؤسسيها من الأكراد, ولكنهم عملوا كمسلمين وليس باسم قوميتهم الكردية, وكان هذا عامل يضاف ويحسب للإسلام لأنه كان لا يفرق بين العرب وباقي القوميات الأخرى.
وهنا كنقطة حساسة ومهمة وقد تثير الكثير من اللغط وهي أن هناك الكثير من العوائل بل والعشائر الكردية وذات تأثير في المجتمع الكردي, مع العلم أن هذه العشائر هي من أصل عربي ومن تلك العشائر على سبيل المثال لا الحصر (البرزنجية والطالبانية). إن هذه العشائر قد قدمت إلى المنطقه لأغراض مختلفه ومنها الإرشاد والتوعيه الدينية, وبمرور الزمن أصبحت هذه العشائر كردية (استكردت), فلو كان الإسلام أو العرب هم كما يتم وصفهم الآن (بالعنصرية والشوفينية) فهل كانوا يسمحون بأن تستكرد قبائلهم وتتغير قوميتهم ولغتهم ؟؟؟
أما بعد أن جاء الإسلام للمنطقة وتم إدخال اللغة (الكتابة) فمن المعروف أن الأكراد لم يكن لديهم حروفاً مكتوبة ولكن لغة يتكلمون بها فقط (وهذه صفة أخرى من صفات المجتمع البدائي البسيط). هنا بدأوا بتعلم الحروف العربية وأخذوها ليكتبوا بها لغتهم وليحموا تراثهم, وهذه حسنة من حسنات المد الإسلامي للمنطقة .
وبعدها ومن هذه النقطة بدأ الشعب الكردي يتداخل مع شعوب المنطقه الأخرى وبدأ يتأثر بها (طبعاً أكثر من تأثيره فيها كما قلت لأنه مجتمع بسيط) ثم بدأ الأكراد ينطلقون نحو مناطق الإسلام بحرية ويسر بحكم انتمائهم لنفس الأمة (الإسلامية) ولم تكن هناك من معوقات بهذا الخصوص لأن الإسلام يحرم التمييز بين القوميات. ومع هذا كله فلم نسمع أو نجد أي أثر يمكن لنا ككرد أن نقول أنه تراث حضاري كردي خالص. واستمر هذا الحال إلى يومنا هذا فيما عدا بعض قصائد شعرية تنسب لأحد الشعراء الأكراد وذلك في وقت متأخر جداً. خلاصة القول, ليس هناك طريقة شعرية متميزة, وليس هناك طراز معماري متميز, وليس هناك لغة متكاملة, وليس هناك تراث شعبي تتميز به الأقوام الكرديه …. الخ.
ما أريد أن أصل إليه الآن, أنهم يريدون أن يفهموا العالم بأن الأكراد كانوا أصحاب حضارة وعلم وتراث وكل هذا غير وارد تاريخياً وليس له أي إثبات علمي. أنا هنا لا أريد أن أنتقص من شعبي أو من نفسي ولكن الباحث العلمي يجب أن يتحلى بالصدق والأمانة العلمية الدقيقة. وخوفي هنا أنهم سيجعلون من الشعب الكردي شعباً كاليهود في فلسطين وسيجعلون عليهم قيادات تسير بهم نحو الهاوية وسيتم استخدام الشعب الكردي لمحاربة أعدائهم بالدرجة الأولى (أقصد أعداء اليهود والأمريكان) وكل ذلك على حساب الشعب الكردي البسيط والمغلوب على أمره. وكما قال عبدالله اوجلان: ( دولة كردية كإسرائيل مرفوضة نهائياً). ولنا أن نتصور لماذا يودع أوجلان السجن ويستقبل الآخرون في البيت الأسود .!!
وهنا سنكون نحن المتعلمين وأمثالنا المثقفين (الذين نعلم حقيقة ما يضمرون) ضد مشاريعهم الهادفة إلى زعزعة المنطقة بأسرها, كما يحدث في الكيان الصهيوني الآن حيث أن البعض من اليهود هم ضد مشاريع الصهيونية العالمية وتساند الشعب الفلسطيني هناك.
وهنا أيضاً أريد أن أتطرق إلى نقطة مهمة أخرى وهي التسمية التي يطلقونها على المنطقة (كردستان) والتي كلما ذكرت أمامي وأنا ابن تلك المنطقة, أشعر بالغثيان والاشمئزاز لما تحمله هذه التسمية من عنصرية بغيضة.
فلماذا يتم اختيار هذا الاسم علماً أنه يلغي الوجود الفعلي للكثير من القوميات المتواجدة هنا من الآشوريين واليزيديين والكلدان والعرب والتركمان وغيرهم, فهل هذا هو العدل الذي يعدون به شعوبنا ؟ وهنا أريد أن اذكر مثالاً بسيطاً, لو كان العراق اسمه دولة العراق العربي (كما هو موجود في سوريا ومصر وغيرهما) فهل كان الأكراد سيقبلون بهذه التسمية؟ أنا أجيب عنهم : لا لن نقبل.
إذن فلماذا نريد من باقي القوميات والتي تعيش معنا في نفس منطقتنا أن تقبل بما لا نقبله نحن على أنفسنا ؟ (وهذا وجه آخر من أوجه الشبه مع الكيان الصهيوني الذي أنشأ دولة عنصرية قائمة على التمييز العنصري من اسمها إلى أفعالها.
ــــــ
*أ. د. عمر ميران / اربيل – حاصل على شهادة الدكتوراه / 1952 / جامعة السوربون تخصص تاريخ شعوب الشرق الأوسط ، أستاذ التاريخ / في جامعات دول مختلفة
الصورة : من الجهة اليمنى ابن المؤرخ المذكور العقيد دلاور عمر ميران والذي سمي اللواء الذي تحت امرتة بإسمة نظراً لشجاعتة و تفانيه بتأدية الواجب وقد إستشهد خلال معارك تحرير الفاو عام 1988م ,
ويظهر معه في الصورة العميد دلشاد بـيك عندما كان برتبة رائد
الصورة في قاطع خانقين عام 1987م .